4أكتوبر

دمج شرقي

تجذبني موسيقى الدمج، وخاصة الدمج الشرقي (oriental fusion)، وأظن أن هذا النمط عانى من قلة الأعمال الجميلة وقلة اهتمام الجمهور. موسيقى الدمج تصهر عدة أنماط موسيقية معا، وأنا أهتم فقط بالدمج بين موسيقى الشعوب كعمل جمالي يزاوج عدة ثقافات، واهتمام هذا المقال هو عرض نماذج لدمج الموسيقى العربية بالغربية.

تقديم

الشرق هو صندوق العجائب الذي لا يُحسن الغربُ تركَه. سطوة هذا الطلسم الشرقي تتسع للموسيقى، والتوابل التي تكاد تجعل الكاري طعام بريطانيا الوطني، والعقائد التي جعلت ستيف جبز يفكر في الإعتكاف كراهب بوذي بدل تأسيس أبل، وكل شيء..

البريطاني Ron Goodwin هو مثال لمن سكنتهم روح الشرق، لتعزف أوركستراه للرحابنة في ألبومه Salute to Lebanon (١٩٦٢)، وتصبح قراءته لـ”بكرا بيجي نيسان” أحد أجمل المقاطع العالمية:

وعلاقة الغرب بالموسيقى العربية أوسع من عزفها (كتجربة Ron Goodwin) أو دمجها (كما سنعرض لاحقا)، فالموسيقى العربية دخلت أوروبا مع الأمويين لتظل هناك. إنتفض الأسبان ضد بعض آثار العرب، وأغلقوا حمامات الاستحمام انكارا لبدعة الطهارة، لكن الموسيقى العربية احتمت بالقصر والكنيسة، ثم ساهمت بروحها للفلامنكو، والفلامنكو تفضل “قيثارة” الأندلسيين التي حرّفها الأسبان لـ”جيتار”. نبض الموسيقى العربية باق بالفلامنكو، كهذا المقطع للألماني Govi:

موزار المصري

قد يكون الفرنسي Hughes de Courson أكثر من بذل للمزج الشرقي، وقدم البومين (في ١٩٩٧ و ٢٠٠٨) ضمن مشروع يقارب الموسيقى الشعبية المصرية وموزار. في عمليه الرائدين، شارك عازفون مصريون مهمون (كعبده داغر) والأوركسترا البلغارية.

في صغره، رفض والداه أن يصبح موسيقيا، لكنه برع في الموسيقى الشعبية الفرنسية وتوسع لموسيقى الشعوب. مكّنته جائزة ليوناردو دافنشي من قضاء ٣ سنين لتعلم الموسيقى بمصر واليمن وسوريا واسرائيل وتركيا ودول متوسطية. ولأنه علّم نفسه الموسيقى، لم يستمع للموسيقى الكلاسيكية قبل سن ٤٥، ورغم ذلك كان البومه “موزار المصري” أحد أكثر الألبومات مبيعا بفيرجن كلاسيك، وانظم مزجه للـ ”السيمفونية المصرية رقم ٢٥ لموزار” لأجمل المقطوعات:

انت عمري

ماردو النور ذو سيرة مدهشة، فهذا العراقي النيوزلندي هجر الطب لإنتاج الموسيقى والرسم والتصوير. ومع أنه لم يكتب نوتة من قبل، وقّع عقداً مع EMI لتوزيع ألبومه الأول بعد ٦ شهور، وتوالت مفاجآت قدَره في الرسم وإنتاج الأفلام أيضا.

رغم أن ماردو انتج ٤ البومات، كانت “أنت عمري” الأبرز دائما، وتبدو كفخ لا ينفذ منه، وكأنها “الخبز الحافي” التي نذر محمد شكري عمره للتفوق عليها! ماردو أعاد خلق “أنت عمري” من طين الغرب، ثم نفخ فيها من روحه الشرقية:

بهو الشاه

أنتج اللبناني جان معوض لسيد مراد، لكن ألبومه Shah Lounge يقدم رؤية أرقى لموسيقى الدمج، وفيه قدم أثنتين من أجمل أعمال المزج الشرقي: Ain’t No Sunshine و Perhaps, Perhaps, Perhaps.

غنى بيل ويِثَرز Ain’t No Sunshine (لا إشراقة شمس!) في ١٩٧١. بعدها بعام، غناها بتفوق مدهش صبي في الثالثة عشر يدعى مايكل جاكسون. معوض صَهَر Ain’t No Sunshine في قالب شرقي جميل:

ألّف الكوبي Osvaldo Farres أغنية “Quizás, Quizás, Quizás” بالاسبانية في ١٩٤٧، ولم يكن قد قرأ أو كتب نوتة موسيقية آنذاك، ثم انتقلت للانجليزية (Perhaps, Perhaps, Perhaps) وانتشرت بسرعة بين المغنين والأفلام بعدة ثقافات. وقد تأثر بها موسيقيون عرب مبكراً، فاستوحى منها الجزائري عبدالحكيم جرامي أغنية الراي “شهلة العياني” في ١٩٥٨. وحديثا، إقتبس منها جان ماري رياشي اغنية “بالعكس”.
معوض لم ينقل الأغنية للعود، بل أعادها له، ليقدم قراءة شرقية تنافس الأصل:

إبن السبيل الحافي!

في ٢٠٠٥، أسس العازف والمغني الاميركي برينان جيلمور وعازف العود التونسي رياض الفهري فرقة قنطرة، بمشاركة آخرين من البلدين، فظهرت فرقة تمزج بين الثقافتين: الموسيقى العربية وموسيقى ريف الشرق الأميركي. في ألبوم “قنطرة” الوحيد، تبرز أغنية Wayfaring Stranger:

“لما بدا يتثنى”، على ثلاث قراءآت

أحب موشَّح “لما بدا يتثنى” و (خصوصا) تجسُّداته في موسيقى الدمج، كهذه:

– قراءة Hughes de Courson:

– قراءة جين ماري رياشي:

– قراءة اللبناني شربل روحانا:

ما بعد الفن!

من قرية المفتاحة التشكيلية بعسير إلى مزاد كريستين، صعدت آعمال التشكيلي السعودي عبدالناصر غارم بتنوع أساليبها وجرأتها وشحنتها الثقافية، لتشمل انجازاته أعلى سعر لعمل فني عربي.

لعبدالناصر تجربة موسيقية جريئة ومغمورة، سمّاها Post Art، وهي ٦ مقطوعات تقارِب بين الجاز والموسيقى الشعبية بعسير، هذه أحدها:

من لطف الله أن كمال صليبي لم يعرف Post Art! غوى عبدُالله بن خميس كمالَ صليبي بمعاجم جغرافية الجزيرة العربية، فكتب صليبي أن “التوراة جاءت من جزيرة العرب”! ولو عرف صليبي Post Art لقال أن “الجاز جاءت من جزيرة العرب”!

شارك التدوينة !

عن علي آل عمران

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© Copyright 2013, All Rights Reserved