9أبريل

الإستنساخ المقدس، معه وبعده

مجتمعاتنا المحافظة هي آلات استنساخ، تنتج أفرادا حسب القالب المقدس الأول. وكل فرد يشذ عن ذلك القالب يعامل كقطعة معطوبة في خط إنتاج، ويُتلَف حسب طقوس عبادية صارمة تشبه كوميدياها المقدسة مشاهد تطهير آثار الأطفال في “شركة المرعبين المحدودة”. هنا فقط، كل مختلِفٍ يصير مخالِفا (بالإذن من أدونيس).

الجنس حافز فردي لهدف جماعي هو البقاء، وهو في آليته يشبه الحوافز الإدارية التي تربط أهداف الأفراد بأهداف الجماعة. فرغبة الفرد الجنسية لا تسعى لبقاء النوع، بل لبقاء الفرد نفسه، لكن ذلك الهدف الفردي الأناني يحقق الهدف الجماعي. الجنس هو حيلة الفرد لتمتد حياته في جسد آخر، هو عملية استنساخ للجسد، وفي المجتمعات المحافظة يكون استنساخا للثقافة أيضا، أي أن الجنس هنا هو حفظ لـ “بيولوجيا” و”ايدولوجيا” الجماعة. لا يجوز لبيولوجيا المجتمع المحافظ أن تتلوث ببيولوجيا الآخر، ولا أن تتلوث ثقافته بثقافة الآخر، فالإستنساخ الجماعي يجب أن يتم تحت أشد شروط التعقيم صرامةً.

يميز المجتمعات المحافظة جهازُ مناعةٍ قوي يحطم كل خلية مختلفة في جسد المجتمع، ولأن الجسد (وخلاياه) يعيش أسباب تغيير ضخمة، فإن جهاز المناعة سيحطم جسده إن لم يكبح الجسدُ مناعتَه. موجة العنف الأخيرة هي من أعراض تغلب المناعة، أي أن الجسد – المجتمع حاول تحطيم نفسه بِنِيّة حماية نفسه.

المؤسسة الدينية هي جهاز مناعي في المجتمع، وإذا أردنا تغيير جسد فيجب ألا نوكل المهمة لجهازه المناعي. والمؤسسة الدينية هي ضابط الإستنساخ، لذلك تقبض بشدة على أهم أدواته: المرأة والتعليم والإعلام. إذا تحررت هذه المؤسسات من احتكار أي جهة، فإن مجتمعنا سيغادر مرحلة استنساخ لم تنقطع منذ عُرفنا عَرَبَاً.

الإرادة السياسية الحالية تدفع لذلك بتأن وإصرار، وستكون مرحلة “ما بعد الإستنساخ” قاسية علينا، إذ ستتكاثر الأشياء التي لا تشبهنا، وهذا تنكره القيم التي صنعناها في زمن الإستنساخ، وسنحتاج مرجعية ثقافية “ما بعد استنساخية” تقبل الإختلاف وتحميه.

ليتني أكون المستنسَخ الأخير..

شارك التدوينة !

عن علي آل عمران

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© Copyright 2013, All Rights Reserved