Rakan: What we see today in our solar system is nothing more than the result of a collapsing cloud of dust and gas .. order from chaos!
ع: لِمَ يُذكرني هذا بقوله تعالى: “ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ”؟
علي: قَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ. هل يعني أن الأرض كانت موجودة في تلك اللحظة من الكون؟
ع: هذا من باب قوله للشيء كن فيكون. أي شيء تريد أن توجده أنت كشخص يكون لديك كفكرة في نفسك ثم توجده في العالم الحقيقي.
علي: أي أن الدخان حقيقة والأرض فكرة. على أي أساس اخترتَ كلمة معينة في النص واعتبرتها فكرة أو مجازا؟ هل لأنك بعد ١٤٠٠ اقتنعتَ بفكرة معينة واحتجتَ أن تؤل النص لتحميه منها؟ لماذا لا يكون الدخان مجازا والأرض حقيقة؟ وما رأيك أن نعتبر كل شئ مجاز ونريح أنفسنا وكل الأجيال القادمة من لعنة العلم؟
ع: لا ليست مجازًا، إذا كنت تتكلم عن خالق كل شيء :) فهمها من تكملة الآيات بعدها “فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ…”، يعني أن إيجاد السموات والأرض كان بعد ما حصل في الآية السابقة.
علي: اظن ان هناك لغتين (أو لسانين) للقرآن اليوم: لغة الفقهاء ولغة أصحاب الإعجاز (أو الخيال) العلمي. يحاول الفقيه فهم كلام الله بفهم كلام البدوي في الصحراء، ويخضع النص لسيبويه (النحو) والخليل (القاموس)، ولا مكان هنا لـ “أدنى الأرض” بمعنى “أهبطها” أو “دحى” بمعنى “كوّر”. هذا كله عبث.
أما لغة الإعجازيين فتهمل ذلك الإنضباط لأنه يعيق حركتهم، وتفضل لغة مائعة يذوب فيها الزمان والمكان وقواعد اللغة والمعجم لصالح الإستعراض الذي يريده لاعب السيرك. وفي حين يُخضِع الفقيه لغة الخالق لشِعر البدوي، يفضّل الإعجازي إخراج صاحب النص (والنص) من المكان والزمان ويجرده من كل قوانين وقيود الكون، ليعطيه صلاحيات مطلقة تنتقل لمفسر النص نفسه. الفقيه يقيد صلاحياته بتقييد لغة النص بلغة البدوي، والإعجازي يحرر نفسه (لدرجة الإباحية الفكرية) بتحرير صاحب النص.
إسمح لي أن أطبق لغة الفقهاء الأكثر مسئولية على ذلك المقطع القرآني، وسأرتب أحداث الخلق من الآية التاسعة:
٩) خلَق الأرض في يومين.
١٠) جعَل فيها رواسي وقدّر أقواتها في أربعة أيام.
١١) ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها.
ترتيب الأحداث يقول أن الله خلق الارض والجبال أولا، (ثم) استوى إلى السماء وكانت دخان. وهذا يناسب فهم أن الأرض كانت موجودة (وليست مشروعا مستقبليا) أثناء مخاطبتها في الآية ١١.
ع: لست ممن يتبَّع بعض “خيالات” الإعجاز العلمي، لكن عندما يكون الأمر واضحًا ومنطبقًا مع ما اكتُشف عندها أصدق به. وارتباط الدخان بمرحلة الخلق ينطبق مع ارتباط الغبار الكوني بنشوء الأجرام السماوية.
بالنسبة للآيات التي تسبق الآية المذكورة فاعذرني فربما خانتني الذاكرة في ردودي السابقة، لكن التفسير ما زال قائمًا حتى مع وجود الترتيب المذكور. خلَق الله الأرض، ثم جعل فيها رواسي وقدَّر أقواتها، ثم استوى إلى السماء وهي دخان (أي أنها كانت واستمرت على كونها دخان). وربما أرجِع هنا إلى تفسير قديم هو تفسير الطبري (والذي يعد من أقدم التفاسير الموجودة). يقول في تفسيره لهذه الآية:
وقوله: “فَقَالَ لَهَا وَلِلأرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا” يقول جلّ ثناؤه: فقال الله للسماء والأرض: جيئا بما خلقت فيكما، أما أنت يا سماء فأطلعي ما خلقت فيك من الشمس والقمر والنجوم، وأما أنت يا أرض فأخرجي ما خلقت فيك من الأشجار والثمار والنبات، وتشقَّقِي عن الأنهار
فالتفسير يؤيد نشوء الشمس والقمر والنجوم عندما كانت السماء دخانا.
علي: دعني أسترسل أكثر يا سيدي ع،
وجود الأرض حين كانت السماء دخانا يتعارض مع معارفنا الحالية، فهو يعني أن الأرض هي أقدم أجرام الكون. وأنا لا أجد دافعا (سوى التعاطف) لفهم مختلف للنص، فالنص يرتب أحداث الخلق بوضوح.
تسلسل الأحداث (وتلاعب الإعجازيين به) ليس هو السؤال الوحيد، فتفسير السماء بالكون والدخان بالغبار الكوني هي حيل اخرى تستحق حديثا اطول.
ع: ترتيب أحداث الخلق فيه اختلاف بين المفسرين أنفسهم، حتى أن الرازي في تفسيره يؤكد وجود الخلاف:
قوله “ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاء وَهِيَ دُخَانٌ” مشعر بأن تخليق السماء حصل بعد تخليق الأرض، وقوله تعالى: “وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا” [النازعات:30] مُشعِر بأن تخليق الأرض حصل بعد تخليق السماء وذلك يوجب التناقض، واختلف العلماء في هذه المسألة.
فالمسألة فيها اختلاف قبل حدوث الاكتشاف العلمي أصلاً. وفي الآيات المذكور فيها الدخان ليس هناك إشارة إذا ما كان الدخان قد انتهى بعد أمر الله للسموات والأرض أن تأتيا طوعًا أو كرهًا. وقد يفهم من الآيات أن الله خلق جزءًا من السماء قبل خلق الأرض ثم عندما خلق الأرض قال لها وللسماء “اِئْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً”.
أما عن كون الدخان هو الغبار الكوني فلعلك تنظر إلى صور مثل هذه وتحكم بنفسك:
هذه تسمى أعمدة الخلق (Pillars of Creation) على فكرة :)
من وجهة نظري الشخصية (وربما يتفق معي البعض فيها) أن تفسير الآيات التي تحتمل لغويًّا أن تُفسر بطريقة أخرى (ليس عن طريق التلاعب بالتأويل بل عن طريق البحث اللغوي المتضمن لما يحتمل وما لا يحتمل التأويل) ويُكتشف فيها اكتشاف علمي دقيق ومؤكد قد يغير (أو يحسم الخلاف) من فهمنا لبعض الآيات القرآنية المتعلقة بالمظاهر الحسية. إذ فهم الناس في عصر ما يتأثر بما توفر عندهم من أنواع المعارف.
علي: سمعت انك لا تمل من الجدال، لكني لم أتوقع أن حالتك أصعب مني!
ليس هناك ما لا يختلف فيه المفسرون، وقصة الخلق ترد في القرآن بصيغ مختلفة لا يخدمها تهافت التفسير. وعلى عكس البعض، لا أعتبر هذا مجالا للتعددية الخلاقة، بل هو مصدر لمتاعب مزمنة، لكن الإنحراف لمسألة التفسير لا يتحمله ضيق صدر مجلسنا.
إن توظيف الأديان للعلم (كشاهد شاف كل حاجة) هو موطن آخر للتساؤلات. فهل يحتاج الثابت شهادة المتغير؟ أم هو من باب ليطمئن قلبي؟ وما قيمة شهادة أي متغير؟
إن الصيغ التي تمارسها الأديان للتضامن مع العلم تسيء للطرفين، فالعلم المتعاطف مع الأديان ليس علما بل نكتار علم (١٠٪ علم)، لأن الأديان تختار متى يتحدث أو يصمت العلم، و تزخرف نسخا (منقصة ومنقحة) من العلم.
وتلك الصِيغ تضر الدين، لأنها تنقل النص المقدس من المتن إلى الهامش، وتنقل العلم من الهامش للمتن، إذ يصبح المقدَّس شاهدا على متن العلم. إن النصوص المقدسة اليوم تسير مع العلم حيثما سار، وتتلون معه، وميوعة التفسير هي سند عظيم لهذا التلون.
ع: ربما لتكويني الأشعري أثر على حبي للجدال :)
هناك ما هو معلوم من الدين بالضرورة كأركان الدين والأحكام الأساسية، وهناك ما يظهر الإختلاف فيه. منذ القدم كان علماء التفسير يجمعون بين حقائق الطبيعة وصيغ الآيات القرآنية، ربما لأن إيمانهم كان أقوى بأن منزل القرآن هو خالق الطبيعة، وهو ما يجعل التعارض مستحيلاً.
لست ممن يحاول أن يوفق بين الدين والعلم الطبيعي قسرًا، ولكن في بعض الأحيان تتضح معاني آيات تتناغم بشكل يستحيل أن أعتبره مصادفة.
شخصيًّا، أنا مع فصل الأبحاث العلمية عن تأثير معلومات الخلفيات الدينية، وهذا ما يتطلب أن نبحث في حقائق الخلق حياديًّا. لكني في نفس الوقت لا أقف ضد من يجد رابطًا بين مكتشف علمي ومقدس نصي.
ولا يضر الدين ظهور مكتَشف علمي قد يتعارض ظاهرًا مع نصه، فالنصوص المقدسة تخضع للغتها، وهناك مجال للنقاش داخل هذه اللغة، وطالما كان التأويل جائزًا لغويًّا، فالنتيجة ليست تمييعًا بقدر ما هي جمع بين واقعين، إلا عند من كان لديه شك أو اعتبر الدين منتجًا إنسانيًّا بحتًا، عندها ينتقل النقاش إلى مرحلة الجذور.