غير مصنف

19يناير

القدوع الأخير!

-١-
علّقت أمي على كلمة “جَدُوعْ” ضاحكة: “الناس تركوا هالكلمة من زمان يا علي! ماحد يقول جَدُوع الحين. يقولوا فطور.” وكنت أمازحها بالكلمة.

على ضفاف الخليج، لم أعرف في طفولتي غير جَدُوعْ ونِجدع واجدع وجدعت، وهي كلمة نبذناها. لكن هل الكلمة تعني فطور الصباح؟ ام أن “جَدُوعْ” الخليجية و”قدوع” النجدية تعودان لأصل ومعنى واحد خصّصه أهل الخليج ونجْد لاستخدامٓين مختلفٓين؟

يبدو أن الكلمتين تعودان لمعنى مشترك هو “الوجبة الخفيفة”، وخصّه الخليجيون للصباح وحده، بينما خصّه النجديون للتمر وحده، وهناك من حرّره لمعناه المشترك وهو وجبة خفيفة من أي طعام وفي أي وقت.

وأظن أن “قٓدٓعٓ” الفصحى هي مصدر الكلمتين، وتنقل القواميس أن مادة “ق د ع” لها معنيان متباينان هما “الكف عن الشيء” و”التهافت عليه”، وفي سياقنا تعني الكفّ، وقيل “‫اقْدَعْ‬ من هذا الشراب” أي “اشْرَبْه قِطَعاً قِطَعاً”. ‫وقِدْعةُ‬ الثياب هي دُرَّاعةٌ [١] قصيرة، والمرأة القٓدُوعٌ هي كثيرة الحياء قليلة الكلام.

-٢-
وفي مجتمعات حوض المتوسط القديمة، كانوا يخصّون الوجبة الخفيفة الليلية بإسم تُرجِم لـ “supper” الإنجليزية. وتُرجمت الكلمة الانجليزية لـ “عشاء” العربية التي لا تعني عشاءً خفيفا بالتحديد.

-٣-
الجٓدُوعُ الأخير؟ القٓدُوعٌ الأخير؟

في كون موازي، دافنشي من أهل الجزيرة والقٓدُوع الأخير “فٓرْدة” [٢] تمر وفنجان قهوة!

هامش:
١. وكنا نسمي ثوب الرجل “دِرّاعة”، التي تعود لـ “دُرَّاعة” الفصحى. وكان الرجال والنساء يلبسون الدُّراعة في عهد النبي.

٢. بلهجة الخليج، “فٓردٓة تمر” تعني “حبة تمر”، وربما كانت الكلمة تأنيثا لـ “فرد”! وهي تُستعمل مجازا غالبا، بمعنى “بضع تمرات”.

21سبتمبر

ترجمة: لبنان، الحشيش والحرب

هذه ترجمة لمقاطع من كتاب مارتن بُوث “القِنَّب في التاريخ” عن تاريخ نبتة الحشيش:

كان لبنان المزوِّد الأخصب للحشيش بالمنطقة في الستينات والثمانينات، رغم الحظر الرسمي للحشيش. كان الحشيش اللبناني يُميَّز بتعبئته في أكياس بيضاء من القطن او الكَتّان، وتُختم الأكياس بعلامات تجارية بسيطة كالأسد أو النجمة والهلال أو شجرة الأرْز، وعلامة الأرْز مثّلت أفضل حشيش عند الغرب وعرفوه بالذهب اللبناني.

منذ بداية الخمسينات، كان لبنان وسوريا ينتجان معاً ٣٠٠ طن حشيش سنويا، بينما كان المستهلكون من السكان أقل من ١٪ في ١٩٧٦. كما كان شائعا في المجتمعات الاسلامية، لم يدخن الحشيش إلا الرجال، وكانوا يدخنون بالنارجيلة وفي السر.

منطقة الزراعة الرئيسة كانت وادي البقاع، حيث أقامت عشائر الدنادشة [الشيعية] مجتمعا زراعيا. حدثت محاولات في منتصف الستينات لجعل الدنادشة يزرعون محاصيل بديلة كعبّاد الشمس، ولم يتحمس المزارعون. حتى مع دعم الأسعار، فضلوا القِنَّب الذي استهلكت زراعته جهدا ومالاً أقل. استمرت الزراعة، أحيانا بين حقول نبات عبّاد الشمس الطويل الذي ستر المحصول الحقيقي عن الجميع إلا المراقب من الجو.

تجارة الحشيش محلياً و (الأهم من ذلك) للتصدير أكسبت عدة فصائل دينية وسياسية أموال كثيرة، في بلد كان مقسَّما إجتماعيا وعرقيا. عندما اندلعت الحرب الاهلية بين المسلمين والمسيحين في ١٩٧٥، كان عند الجماعات المقاتلة عتاد حربي كبير. وبعدما سيطرت الحرب وانهار الاقتصاد، صار الحشيش مصدر الدخل الحقيقي الوحيد. زراعة الحشيش صارت عمليّاً البند الوحيد في الناتج المحلي الاجمالي، وموّلت تجارة السلاح والقتال.

كان التصدير اساسيا، وجزءٌ مُعتَبرٌ منه ذهب لمصر. والكثير هُرّب للغرب، خاصة أوروبا. مزارعوا القِنَّب الشيعة (وهم من المتعصبين للاسلام) كانوا أيضا يبيعون الحشيش لإسرائيل، العدو المقاتل لرفيقهم حزب الله، الجماعة العربية المسلحة التي حاربت سعياً لدولة فلسطينية عربية.

وكشف مقال في صحفية التايمز في ١٩٩٦ خطة للموساد الإسرائيلي لشراء حشيش لبناني وتوزيعه في مصر بعد حرب الأيام الستة عام ١٩٦٧. رُمِزَ للعملية بـ لاهاڤ (أي الشفرة)، وباعت حشيشاً لتجار مخدرات مصريين قرب قواعد للمجندين. كان الغرض إضعاف الجيش المصري. واستمرت عملية الشفرة طوال الحرب الإهلية اللبنانية وبعد انتهائها (في ١٩٧٩) بفترة، وبالتالي كانت اسرائيل مسئولة عن تمويل الجماعات المقاتلة قبل بدء الحرب الاهلية، وإطالة تلك الحرب، و (بشكل غير مباشر) تمويل القتال جزئيا، و (في نفس الوقت) العمل في تجارة المخدرات الدولية، مخالِفةً الإتفاقية الوحيدة للمخدرات من الأمم المتحدة. ولأن اسرائيل إختارت إهمال عدة قرارات من الامم المتحدة بالنسبة لحقوق العرب الفلسطينين، وتجاهلت اتهامها باعتداءات وحشية ضدهم، فإن إهمال الاتفاقية الوحيدة لم يكن أمرا عظيما.

في ١٩٧٠، مثّلت أفغانستان ٣٠٪ من إنتاج الحشيش العالمي، ولبنان ٢٥٪، وباكستان ٢٠٪. وبعد عشر سنوات، أظهرت الأرقام أن لبنان أعطى ٣٥٪، يتبعه باكستان (٢٥٪)، ثم المغرب (٢٠٪).

25مايو

محاولة للعودة للكتابة

إنقطعت ُعن الكتابة منذ سنتين، وقبل ذلك كانت كتابتي موسمية وتحمل سمات الحوليات. أظن أن لذلك عدة أسباب، منها:

١) ضعف لياقة الكتابة: الكتابة من العضلات الضعيفة عندي، والتي لم أدربها لممارسة مستمرة. بل (إمعانا في التشبيه) يبدو أنني نمّيت قدرة الكتابة كعضلة بيضاء، تنفع الأعباء الثقيلة والقصيرة، بينما عليّ التدرب على كتابة خفيفة متصلة!

٢) هاجس الإتقان: أنا ممن مارسوا التدوين (خطأ) كالنشر في دورية محكَّمة، وهذا التحريف (الذي تسرب أحيانا حتى للتدوين القصير في تويتر) قد يُنتِج أعمالا كثيفة متقطعة، وذلك يناقض التدوين كإنتاج خفيف متصل. من أعراض تلك الحالة أني راجعت وحررت عدة مقالات نحو ١٠٠ مرة قبل النشر. أعرفُ هذا لأن عدّاد القراءات يكون قرب المائة وقت النشر.

٣) سوء إدارة الوقت: أي سوء إدارة الحياة.

هدف الكتابة عندي هو الإنتاج. هذه المدونة لا تسعى لتغيير العالم (ولا تتجنب ذلك الدور)، بل نيّة صاحبها هي الكتابة كسلوك إنتاجي فقط. ولإسعاف هذه المحاولة الإنتاجية، سأحاول:

أ) التدوين القصير الخفيف، وإن اكتفت التدوينة بفقرة واحدة.
ب) التنويع حسب تقلّب هاجس الكاتب، وذلك توجهٌ قديم للمدوَّنة.
ج) تجنُّب انتقاء المواضيع، والكتابةُ عن هاجس اللحظة، دون التركيز على كتلة جمهور معينة.

هذا هو “عمود” المدونة المرجو، ومراعاته قد تنتج تدوينات كثيفة وأخرى لا تتجاوز كونها:
– ملاحظة طرية عن رأي أو تطور ما.
– نقل لرأي (كقصاصة من كتاب) لمن يهتم به ويريد تتبعه، مع هامش نحيل.
– مطالعة لمقال أو كتاب.

14يونيو

ليست مجرد مدونة!

أخيرا، جمعت كل كسلي وبدأت التدوين! نقلت مقالاتي القديمة (قدم الدهر) من دروب لأختبر بها عمل المدونة ولتكون المدونة ارشيفا كاملا لكتاباتي.

أظن أن المدونة ستتلّون مواضيعها بتلون (وتقلب) اهتمامات صاحبها، وسيرضي ذلك نهم بعض المتابعين ويتعب آخرين. ترغب المدونة أن تنقل تداعياً (شبه) حر لأفكار صاحبها، وتأمل إضافة مدونة سعودية جادة أخرى.

مازلت أطمح في مشاريع الكترونية تكون المدونة أولها، وقد تصبح أصغرها. هدف تلك المشاريع هو إضافة مادة الكترونية جادة للسعوديين (خصوصا) والعرب.

إخترت تصميما بسيطا للمدونة، ربما لأني أعشق هذه الشخصية وفكرة التركيز على “القارىء” وليس “الزائر”، لكني أرى تصميما مختلفا إذا تحققت مشاريع أخرى. لأني عربت التصميم بنفسي بجهد سريع، أرجو ارشادي للأخطاء الباقية.

تقبلوا كل الود..

© Copyright 2013, All Rights Reserved