21أغسطس

“الرسالة الذهبية” ليست للإمام الرضا

“الرسالة الذهبية” كتاب مختصر في الطب منسوب للإمام علي بن موسى الرضا (153-203هـ). تبرز أهمية هذا العمل (إذا صحت نسبته للرضا) في جانبين:

1) لمؤرخي الطب العربي: الرسالة هي أقدم كتاب في الطب كتبه عربي أو مسلم [البار:142].
2) للمسلمين الشيعة: العمل دليل على تفوق الإمام الرضا (الإمام الثامن عند الشيعة الإثناعشرية) على أهل زمانه، واكتسابه معارف إلهية (لم يتعلمها من البشر) أيّدها العلم الحديث.

لكني أؤمن أن الرسالة لا تصلح لأي من الغرضين، فهي عمل منحول.

تقول الرسالة أن المأمون طلب من الرضا كتابتها بعد مجلس حضره أفضل أطباء الدولة [نجف:5-8]، وأُعجب بها المأمون فأمر بكتابتها بالذهب، فسُمّيت بالذهبية [نجف:67]. إسم الرسالة وسببه يطابقان ما رُوي عن الرسالة الذهبية لفيتاغورس التي “سميت بهذا الاسم لأن جالينوس كان يكتبها بالذهب إعظاماً لها” [إبن أبي أصيبعة:36].

رغم تبني الخليفة لها وأهميتها العلمية واحترام المؤرخين الواضح للرضا إلا أنها ذُكرت لأول مرة بعد وفاة الرضا بنحو 200 عام. لا أجد مبرراُ لهذا الصمت التام سوى جهل الجميع بالرسالة. حتى أعيان الشيعة كانوا يجهلونها، إذ لا يذكرها ابن بابويه القمي (311-381هـ) في “عيون أخبار الرضا” ولا معاصره ابن النديم (325-385هـ) في فِهرسته.

قدّم لنا أبو جعفر الطوسي (385-460هـ) في “الفِهرست” أول إشارة لها بإسم “الرسالة المذهبة” [الطوسي:9: 146] عندما عدّد مصنفات راوي الرسالة (أبو عبدالله محمد بن الحسن بن جمهور العمي البصري). ومع دخول الألف الأول الهجري، انتشرت وتعددت نسخها بـ”اختلاف فاحش” [المجلسي:59: 309] (إستمر لليوم)، وبرز إحتفاءُ مفكري الشيعة بها، إذ ظهرت 16 ترجمة وشرحا بعدة لغات [الطهراني:10: 266]. تأخُر ظهور الرسالة واختلاف نصها دليلان على أن أنها كُتبت في زمن متأخر واستمر تحريرها لعدة عقود، فهي نص منحول تغيّر بلا قيود.

ما كان فقهاء الشيعة سيحتفون بالرسالة لو حاكموها كباقي روايات محمد بن الحسن بن جمهور، فهو “ضعيف في الحديث، فاسد المذهب، وقيل فيه أشياء الله أعلم بها من عظمها” [النجاشي:20: 337] و”لا يُكتب حديثه، ولا يُعتمد على ما يرويه” [الحِلِّي:251]، ويُعتبر ممن أضرت رواياتهم [الحسني:196] وعقائدهم [جعفريان] بالموروث الشيعي. رُوي أنه كان يحلل الحرام [جعفريان]، وقد فعل منتحِل الرسالة ذلك عندما نسب للرضا شرابا “حلالا” يُحضَّر بطبخ الزبيب ثم تقطيره ثم تخميره مختوما لثلاثة أشهر [نجف:21-25]، وتنصح الرسالة (على لسان الرضا) أن يُخفف الشراب بالماء عند شربه (“الشربة منه قََدر أوقية بأوقيتين ماء” [نجف:25]).

الرسالة مليئة بالأخطاء العلمية. مثلا، تقول الرسالة:

“فإن الماء البارد، بعد أكل السمك الطري يورث الفالج. وأكل الاترج بالليل يقلُب العين ويورث الحول، وإتيان المرأة الحائض يولد الجذام في الولد، والجماع من غير إهراق الماء على إثره يورث الحصاة. والجماع بعد الجماع من غير أن يكون بينهما غسل يورث للولد الجنون ان غفل عن الغسل.” [نجف:26]

الجمع بين الماء البارد والسمك الطري مستمر عند سكان السواحل، ولم تسجل المستشفيات حالة فالج واحدة سببها ذلك. أما الحَول فليس من أسبابه أكل الإترج في الليل. ولا تحمل المرأة أثناء الحيض، ناهيك عن إصابة مولود بمرض جلدي (كالجذام) بسبب وقت جماع والديه. أما حصاة المثانة فلا يسببها إمساك (عدم إهراق) المني عند الجماع. وعيوب المواليد الخَلقية لا يسببها امتناع الوالدين عن الغُسل بين كل جِماعين.

تفترض الرسالة أن الانسان أضعف من أي آلة خلقها البشر، فهو يتلف لأتفه الأسباب (كأكل الإترج بالليل والخلط بين السمك والماء). وهي تسيء للدين بإرجاع الأمراض الخبيثة لمخالفة الشرع (الجذام سببه مجامعة الحائض والجنون سببه ترك غسل الجنابة و الخ)، وإن قدّم أدبُ “مِن البسطاء إلى البسطاء” يقيناً ضروريا للمؤمن البسيط، فإن نتائجه مدمرة إذا تبنته النخبة.

رغم طعن رجال الحديث لراوي الرسالة وأخطائها الطبية الكثيرة، إلا أن تكريم فقهاء الشيعة لها وصل لدرجة استخدامها مصدرا للتشريع، فـ”العروة الوثقى” تفتي باستحباب الغُسل “لإرادة العَودِ إلى الجِماع، لما نُقل عن الرسالة الذهبية: أن الجِماع بعد الجِماع بدون الفصل بالغسل يوجب جنون الولد” [اليزدي:1: 370]، ولا يعترض على الفتوى أيٌ من الفقهاء الكثيرين الذين علقوا على الكتاب. كم فتوى أخرى اعتمدت على مَن “لا يُكتبُ حديثه، ولا يُعتمد على ما يرويه”؟ لماذا يرى الفقيه أن منع أولادنا من الجنون مستحبٌ وليس واجب؟

لا تخدم أفكار الرسالة موقف المسلمين الشيعة، فالمعرفة التي تقدمها ليست إلهية بالتأكيد. وأرى أنها لا تخدم موقف مؤرخي الطب العربي (كمحمد علي البار) أيضا، فالنص منحول ولا يحمل قيمة تاريخية.

::. علي آل عمران

المراجع:

1) ابن أبي أصيبعة (أحمد بن القاسم)، “عيون الأنباء في طبقات الأطباء”.
2) البار (محمد علي)، “الإمام علي الرضا ورسالته في الطب النبوي”.
3) جعفريان (رسول)، “أكذوبة تحريف القرآن، بين الشيعة والسنة”.
4) الحسني (هاشم معروف)، “دراسات في الكافي للكليني، والصحيح للبخاري”.
5) الحِلِّي (جمال الدين الحسن بن يوسف)، “خلاصة الرجال”.
6) زيني (صاحب)، “طب الرضا”، تقديم مرتضى العسكري.
7) الطهراني (آقا بزرگ)، “الذريعة إلى تصانيف الشيعة”.
8) الطوسي (أبو جعفر محمد بن الحسن)، “الفهرست”.
9) القمي (محمد بن بابويه)، “عيون أخبار الرضا”.
10) المجلسي (محمد باقر)، “بحار الأنوار”.
11) النجاشي (أحمد بن علي)، “رجال النجاشي”.
12) نجف (محمد مهدي)، “رسالة الإمام الرضا الذهبية في الطب والوقاية”.
13) اليزدي (محمد كاظم)، “العروة الوثقى”.

شارك التدوينة !

عن علي آل عمران

5 تعليقات

  1. مقال رائع ينم على سعة الإطلاع..وكم في تراثنا من هذه الخرافات..أذكر على سبيل المثال لا الحصر:
    دواء غريب:

    دواء آخر
    يؤخذ بول الفيل، وتسقي منه المرأة وهي لا تعلم، ثم يجامعها، فإنها تحبل لوقتها بإذن الله
    تعالى.(نهاية الأدب للنويري)
    وللمناسبة قرأت في العرب تايمز هذا الخبر((ي الجزائر كتاب شمس المعارف اصبح مقررا ومن تخصصات وزارة الصحة … عيادة شبه حكومية للعلاج بالرقية وطرد الجن ومحاربة عين الحسود اللي في عينه دود)
    والله المعين
    تقبل تحياتي

  2. عبدالحميد

    السلام عليكم اخي علي ، واشكرك على بحثك عن الرسالة الذهبية، وعندي سؤال لو سمحت ، هل شكك باحثون آخرون في نسبة هذه الرسالة من السنة والشيعة؟ الرجاء ذكرهم وذكر كتبهم؟ مع جزيل الشكر.

  3. واقعا تحليل المقالة سطحي..
    الكاتب لم يعطي دليل علمي تجريبي واحد على خطأ اي معلومة منها..

    الرسالة الذهبية بغض النظر عن صحتها، تستطيع النظر لها كأرث تاريخي.. مثله مثل الطب الصيني والهندي وغيره مما هو معترف به من قبل الطب الحديث. تسطيع النضر لها كملخص لتجارب البشر على مدى الاف السنين! تم تجربتها بالفعل وهي قائمة ليومنا هذا..

    ارجو نشر التعليق وقبول الراي الاخر..

  4. أتفق معك بأنه من المهم التدقيق في الكتاب بعيدا عن التعصب, و لكن التدقيق يحتاج إلى علم و معرفة و لا يكون ذلك إلا بإختصاص و عليه فإن الرأي يكون أقرب إلى المراء!
    الكتاب فيه لمحات مهمة يفهمها المتخصص. و أذكر منها ما تيسر فقط:
    1- مذكور في الكتاب أن ما ورد فيه مبني على التجارب التي ثبتت بطول الزمن, و على أهل العلم, و المسلمات! أهمية هذا التوضيح تبين علم المؤلف بأسس البحث و أدواته وهذا ليس من البديهيات.
    2- مذكور في الكتاب أن الجسد كالمملكة. أتوقف على كلمة المملكة هنا! كلمة مملكة تؤطر إلى منهج طبي متكامل يقوم على إفتراض أن الجسد متكامل. و من تطبيقات هذا المنهج أن يتم فحص اﻷعضاء المصابة و فحص أعضاء آخرى قد تكون هي سبب المشكلة. لا يسع المكان للتوسع في شرح هذا الكلام و لكن أتمنى أن يرجع القارئ لبعض الكتابات التي تناقش مناهج الطب. أما النقطة اﻷساسية هنا أن المؤلف كان عالما بمناهج الطب و هذا مما لم يكن معروفا في ذلك الزمن.

    لا يسعني اﻹسترسال أكثر و لكن أتمنى أن يعطي القارئ نفسه الفرصة للتحقق من اﻵراء التي يقرأها و يسمعها

    طالب دكتوراة

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© Copyright 2013, All Rights Reserved