هذه التدوينة من تشجيع حوار جميل تطرّق للبطريركية (الأبوية patriarchy) كتنظيم اجتماعي، وسأحاول هنا تعريف المصطلحِ وأفكارٍ متصلة به، بإيجاز قد اتوسع فيه مستقبلا.
الأبوية (كترجمة سائدة للبطريركية) هي نوع من تنظيمات المجتمع، يكون فيه الذّكَر السلطة الاساسية، ووصيّا على المرأة. وعادة ما يكون الذكرُ الوصيُ الأبَ او الزوجَ او الأخَ او الإبنَ، فتُلحق المرأةُ اجتماعيا وقانونيا به. وهذا التنظيم يمنع وجود امرأة بلا وصاية، ويعامل ذلك كمُنكر.
لغويا، الكلمة الانجليزية منحوتة من “حكم-الأب”، والأب (هنا) ليس أب عائلة، بل أب عِرق بشري (كإبراهيم لبني اسرائيل في السرد التوراتي) كرمز للحضور الذكري الطاغي في المجتمع، فالمصطلح استسقته الإناسة (anthropology) من التوراة في زمن كانت معارفُ طريّةٌ تهتدي بالتوراة كمؤرخٍ صادق وشاهدٍ وحيد لفترة تاريخية، وبقى المصطلح (وغيره) كوليد علاقة حميمة منتهية بين التوراة والعلوم.
التنظيم الأبوي ينزع من المرأة (كقاصر) حريات تصرف (كالتعليم والزواج والعمل والتنقل والتملّك وإدارة المُلك) ويعطيها للوصي الذكر، ويشرّع امتيازات عديدة للذكر. حدود قصور المرأة وسلطة الوصي اختلفت بين المجتمعات والأزمنة، لكنها تجتمع على منع المرأة من مستوى سلطة الرجل، ممثلة في المعرفة والملكية والمنصب.
الأرجح أن الأبوية كانت تنظيما مشتركا في كل المجتمعات والأزمنة، ويغيب الدليل على مجتمع او مرحلة إنسانية أمويّة (متريركية matriarchy)، بمعنى أن سلطة المرأة (كجنس) علت الذكر (كجنس). هناك مجتمعات أمويّة بمعنى إنتساب الأبناء للأم، لكن تلك الأم كانت تحت وصاية ذكر. وهناك لحظات حكمت فيها نساء، لكن في مجتمعات (وبشروط) ذكورية، كما برز دائماً أفراد من جماعات مقهورة تحت شروط جماعات مستبدة.
ومثل تمسّك نسويّات (كنوال السعداوي) بمرحلة أمويّة رغم إقلاع الإناسة القديم عنها، مازال يُقال أن “المرأة في الديانات الوثنية كانت أفضل من الديانات التوحيدية”، وقد يوظَّف هذا الخطأ لتجميل موضة فكرية صاعدة. يأخذ هذا الرأي بصورة المرأة في أساطير وآلهة مجتمعات قديمة، وقد يضيف شهادة الأعمال الفنية (كالمنحوتات). وهو ادعاء أنتجته مدرسة الأساطير والشعائر، التي سادت في بدايات الإناسة وانتمى لها روّاد عديدون. ورغم انسحاب هذا المنهج، مازال طاغيا على الباحثين العرب (كفراس السوّاح).
رأت تلك المدرسة أننا نستطيع فهم تنظيم وتغيّر مجتمع بالتوكّل على شهادة أساطيره وشعائره، لكن ثبت لاحقا قصورُ ذلك في موضوعنا وغيره، فصورة المرأة في الأساطير والآلهة (والأعمال الفنية) قد تناقض واقعَ تشريعات الدولة وممارسةَ المجتمع، وباضطراد ملفت. كما أن العديد من الأساطير والملاحم هي نصوص أدبية، وقَلبُ الواقع كان من أدواتها الجمالية. (وقد نجد تناقضا مشابها بين صورة المرأة في أدبيات مجتمعنا الأبوي وواقعه، ومن تجليّات ذلك صورة المرأة الملكة في مجتمع يحرّم ولاية المرأة.)
لم يتراجع بطش الأبوية لنصف البشر إلا في العصر الحديث، وكانت قبلها الشكل الوحيد للمجتمعات البشرية، بكل أعراقها ومعتقداتها، ومنذ أقدم الأدلة الأثرية، ولم تكن أبدا خصوصية لمجتمع او عقيدة. فإذا نظرنا لمسائل أفرزها ذلك التنظيم (كالولاية والتجهيل والعزل وحتى الوأد) فإننا نجد أمثالها في حضارات أخرى، كالعراق واليونان القديمَين. وخطأ أن نحمّل مجتمعا أو دينا مسؤولية تأسيس (أو عبء بقاء) النظام الأبوي المكلف إنسانيا.
إذا كان في خصوصيتنا خصوصيةٌ فليست حال المرأة، فهذا الحال نمى منسجما مع أقرانه في مجتمعات اخرى، ولم ينفعه انسجامه (آنذاك) ليكون رمز هوية ومواجهة للآخر المتخيَّل في الغرب، فالغرب شاركنا وضع المرأة القديم الذي أبقيناه لخصوصيتنا. وليس من خصوصيتنا (كذلك) أدوات تبريره، فقد شاركْنا الغربَ التبريرات، التي منها قراءة غائية للنص لتفسير وترسيخ مكاسبنا المعاصرة.
هذه أول مرة أسمع فيها هذا المصطلح
شرح مبسط وقيم أخى
بارك الله فيك ،
شكراً عالطرح