6نوفمبر

الجوال المصرفي وباقي القنوات

قبل شهرين، وفي حلقة حوار مؤسسة Retail Banking International بالرياض، نُوقِشت عوائق سيادة الجوال على باقي القنوات المصرفية، واحتمال كون الثقافة (المحلية مجددا!) من المعيقات. سأسجل هنا رأيي في الموضوع.

لعجز الجوال (كتطبيق مستجيب أو أصيل أو هجين) عن سيادة باقي القنوات (الآن) سببٌ تُهمله نقاشاتنا، وهو وجود منافذ بديلة للعميل (كالهاتف والصراف الآلي) يُحَفَّز مديرُوها بالتساوي على جذب العملاء، أي أن قنوات المصرف تُدفع للتنافس بينها. في هذا الوضع، تُحسَّن خدمات الجوال فيهاجر العملاء من قنوات أخرى له، ثم تُحسَّن القنوات المهجورة فيحدث نزوح معاكس، لأن توزيع العملاء على القنوات هو لعبة محصّلتها صفر.

التطوير المتساوي للقنوات هو (أيضا) إنهاك متساوي للقنوات، بل وللمؤسسة. تكرار خدمة في عدة قنوات هو تكرار لأعباء الخدمة داخل إدارة القناة وكل الإدارات المساندة (كالتقنية والعمليات وشكاوى العملاء وأمن المعلومات والمخاطر والتدقيق). أي أن التضخيم المتساوي للقنوات يحتاج تضخيما معادلا في أرجاء المؤسسة، وهذا ضُر إن حدث أو لم يحدث. فإن حدث فهو تحقيق لتضخيم موازي لتكاليف ثابتة، وإن لم يحدث فستُحرم القنوات من الرعاية الكافية وتصير همّا داخليا ثابتا! وعادة ما تكون النتيجة الحرمان، لأسباب منها:

١) إهمال زيادة سعة الخدمات المساندة عند التخطيط لزيادة خدمات القنوات.

٢) تناقض سياسة تضخيم القنوات مع سياسة ضبط أعباء المؤسسة، وتكون الغلبة للأخير.

والحاليَن من أسباب النمو غير المتناسق لجسد المؤسسة، إذ تصبح المؤسسة جسدا ضخما على قدمين هزيلتَين.

ومن الخطأ حتى إبقاء كل الخدمات الموجودة في القنوات الاخرى. إن موارد المؤسسات المالية (كرأس المال والمواهب ..) شحيحة ويجب ترشيد توظيفها لما يراعي الضغوط المتكاثرة، وللتبسيط منافع هيكلية كبيرة وكثيرة. كما أن كثرة القنوات وكثرة خدمات كل قناة هو مما يُبعد فرصة تقديم تجربة عميل جيدة. إن تجربة العميل هي حكاية تربط كل نقاط لقاءه بالمؤسسة، وكلما كثرت وتعقدت نقاط اللقاء صعب حبْك حكاية ممتعة للعميل.

بعض أنصار التطوير المتساوي يآملون إعطاء العميل حرية الخيار، لكنهم لا يراعون هذه الفضيلة عند تشجيعهم العميل على ترك قناة الفرع لقنوات الخدمة الذاتية! ومحاولة استيعاب كل أحد (كزبون) أو تجنب خسارة كل أحد هي سياسة خاطئة طبعا، فنموذج عمل المؤسسة هو موقف، وكل موقف هو موضوع قبول ورفض من الطرفين. ثم إن أغلب العملاء الذين يُخَاف رفضهم الجوال هم مقيمون فيه، ولا يبدو أنهم من يعيق تقدم المؤسسة للمستقبل!

أغلب العملاء اعتادوا استعمال تطبيقات لمؤسسات لا يعرفوا عنها غير تطبيقاتها، فلماذا يرفض بعظهم تطبيق المصرف؟ إضافة للسبب الذي ذكرته (والأسباب المعتادة كسهولة الإستخدام وكمال الخدمات الخ) يبرز التثقيف كسبب رئيس. مجتمعنا يعاني من أنيميا حادة للثقافة المصرفية، ومنها شُح جهود تعليم التطبيقات المصرفية. يغلب على المادة المصرفية خطابان: خطاب المصارف المركز على الترويج وخطاب العملاء-الاعلام المركز على النقد والسؤال. وليس من هذين الخطابين ما يرضي حاجة فهم منتجات وخدمات المصارف.

الجوال هو القناة الخاصة جداً والإجتماعية جدا. وهو الأقدر على تغطية أوسع جغرافيا بأقل تكلفة (عكس الفرع والصراف الآلي الملتصقَين بالمكان)، ويخلو من الإعاقات التقنية الخَلقية الملازمة للهاتف والصراف الآلي والتي تنتظر فتوحات تقنية عديدة.

شارك التدوينة !

عن علي آل عمران

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© Copyright 2013, All Rights Reserved