شاهدت (متأخرا كالعادة) فيلم The Margin Call. الفيلم هو إبراز بسيط وحلو لومضات من أزمة ٢٠٠٧-٢٠٠٨ المالية. كان للأزمة تبعات كارثية عالميا، كإغلاق مؤسسات مالية وخضوع غيرها لإعانات ووصاية الدولة، إضافة لإخلال مصارف بوظيفتها الضرورية كمقرض لاستهلاك العائلات واستثمار الشركات.
يحكي الفيلم أن موظف إدارة مخاطر في شركة استثمار اكتشف أن مخزون الشركة من البضاعة المالية سيكلف الشركة خسارة تتجاوز أضعاف رأس مالها. اُستدعي مدراء عديدون لدراسة الوضع وحلّه، وتقرر بيع ٨ ترليون دولار من المنتجات السيئة في صباح اليوم الثاني. أُنقذت الشركة وضُحِّي بشركائها والسوق، ثم كُوفئ الموظفون على هذا “الإنجاز”.
سألتقط فكرتين من الفيلم، وأعلّق عليهما:
-١-
إهتم الفيلم بإظهار ضخامة مكافآت موظفي قطاع الإستثمار (هناك وآنذاك!)، ربما لوضوح وإثارة الموضوع عند الجمهور، ولإبراز مآلات ذلك النمط من التحفيز.
معروف أن تلك المكافآت من أسباب انهيار السوق، لأنها حفّزت على اتخاذ مستويات مغالية من المخاطرة. ولهذا سُنّت تشريعات لمكافآت القطاع المالي لتجنب أزمات مشابهة.
تمركزت حوافزٌ عالية في القطاع المالي وتمَركز معها أفضل خريجي الجامعات، لأن القطاع قدّم عوائد استثنائية على الذكاء. ومع استقرار ذلك الوضع لعدة عقود، تمَركز الابتكار وتسارع في القطاع المالي، وتأخر في قطاعات (كالصناعة) عجزت عن جذب وتحفيز تلك العقول.
تكتُّل الذكاء هذا أعطى منتجات في الهندسة المالية عالية التقدم والتعقيد والمخاطرة، في فترة من غياب تشريعات ملائمة. وكانت النتيجة كارثية لهذا التكتل التاريخي النادر لثلاثي الذكاء والحافز وسهولة التشريع.
قد لا تعود تلك الحوافز لمستوياتها السابقة، لتغييرات هيكلية عديدة في البيئة المالية. من هذه التغييرات تشريع عزل وتقييد الأنشطة الاستثمارية، وبالتالي خفض الحاجة للمهارات العالية الملاصقة لهذه المنتجات المعقدة.
يبدو أن محطة تكتل الذكاء والحافز وسهولة التشريع اليوم هي قطاع هندسة البرمجيات. والتجربة القادمة الأكثر تشويقا هي محاولة هذا القطاع حمل وصفته للابتكار لقطاعات هندسية متأخرة، كهندسة السيارات والهندسة الحيوية. ومحاولة ألفابيت (الشركة الأم لجوجل) مع الهندسة الحيوية هي الأكثر اثارة، فإضافة لتأخر كشوفات العلوم الحيوية، تواجه تطبيقاتُها شدة تشريعية هي تحدي إضافي لآلفابيت.
-٢-
إهتم مشهدٌ في الفيلم بطرافة كون موظف دائرة المخاطرة من خريجي علم الصواريخ. وذكر الفيلم أن رئيس ذلك الموظف كان مهندسا معماريا.
للقطاع المالي علاقة مدهشة بالفيزياء. مثلا، الرسوم البيانية للأسهم ومؤشرات التحليل الفني انتفعت بمحاولات تطبيق أساسيات حركة المقذوفات على أسعار الأسهم، وما يرافق ذلك من مبادىء كالإتجاه والسرعة والتسارع..
بل إن فيزيائيين وجدوا مبكرا ما يؤيد تطبيق قوانين الطبيعة على سوق المال، كـ تحليل تذبذب اسعار الاسهم و تسعير المنتجات المالية الأكثر تعقيدا (المشتقات) وتطبيقات مالية عديدة لرياضيات الشبكات المعقدة وفيزياء الجزيئات وسواها..