3أبريل

السيد منير وفيس بوك (١\٢)

السيد منير الخباز رجل دين وخطيب شيعي مهم في شرق السعودية. حرَّم السيد وضع صُوَره في فَيْسْ بُوكْ، بعد أن أقام أحد محبِّيه صفحةً له أسوةً بالكثير من المشاهير الذين يكرمهم أعضاء فيس بوك. ويرى السيد أن من المستهجَن لدى المتدينيين الملتزمين أن يضعوا صورهم هناك، ففيس بوك لا يليق به ولا بأمثاله، وطلب إبلاغ واضع الصفحة أن السيد يحرم ذلك ولا يرضى به أبداً.

موقف السيد منير يعتمد على فهم خاطىء لفيس بوك، ففيس بوك ليس موقعا للصور الاعلانية، بل نموذج لتيارٍ طاغٍ إسمه “التواصل الإجتماعي”. لقد وعى التِقنيُّون أهمية ذلك التيار، فطعَّموا منتجاتهم بقدراته، ولم يفرِّقوا في ذلك بين التقنيات الشعبية (كالهواتف المتنقلة) وما يعتبر أكثر وقاراً (كأنظمة المؤسسات). وصارت بعض جهات التعليم والتوظيف تستخدم (أو تسيء استخدام) فيس بوك وغيره للتعرف على المتقدمين لها والحكم عليهم. فقد يُرفض طالب وظيفة لأن جوجل لا يعرفه، فكأن “من لا يُوجَد في جوجل فهو غير موجود”، لأن الوجود هناك يعني الإنتاج، وسيكون حال كل ناشط اجتماعي كذلك مع فيس بوك. رجل الدين الداعية هو من كائنات جوجل (لأنه منتِج) وفيس بوك (لأنه ناشط اجتماعي).

يَفترض موقف السيد منير أن في فيس بوك ما يلوِّث نقاء رجال الدين. إن الإلحاح في اجتناب الملوِّثات وضَع رجال الدين في حَجْرٍ صِحِّي، فهم لا يحضرون إلا أماكن معقمة، وهذا لا يتفق مع الدعوة. مهنة الداعية (كالطبيب) تحتاج معاشرة المرضى أكثر من الأصحاء، فالأطباء يقيمون بمواطِن المرض لا أماكن الصحة. الداعية النقي هو طبيب لم تصبه عدوى لأنه لم يلتق مريضاً، ولم تفشل له عملية جراحية لأنه لم يُجرِ أي عملية. لأن كل من عملَ أخطأ، قرر هذا الطبيب تجنب الأخطاء بتجنب العمل.

أخطرُ الجراثيم تعيش في المستشفيات، فقد إعتادت أقسى إجراءات التعقيم. وأشد الآفات الأخلاقية تسكن المساجد، لأنها تكيّفت مع أصلب الفتاوى. وعلمتنا الأزمة الاقتصادية الأميركية أن أشد مخاطر المال هي بين سادة المخاطرة المالية في العالم (أو هكذا حسِبناهم). إن ظن السيد منير أنه يَفِرُّ بدينِه من فيس بوك للمسجد فهو مخطىء، كما يخطىء الطبيب الذي يهرب من جراثيم الشارع لجراثيم المستشفى. فيس بوك والمسجد والمستشفى وسوق المال هي بطهارة الإنسان ونجاسته، هي الإنسان، هي نحن.

لا يستطيع أحد الجمع بين الإنتاج العالي والطهارة العالية، وعلى رجل الدين أن يختار بين المِهَنِيّة والتنسك. المِهَنيّ (كالداعية أو المعلم أو المهندس) فرد منتج إجتماعيا، وهو بذلك عرضة للخطأ، وخطأه ليس نتيجة أخلاقية بل إحصائية، فمن يعمل أكثر يخطىء أكثر، وزيادة الأخطاء سعرٌ محمودٌ لزيادة العمل. أما الناسك فهو فرد غير منتج إجتماعيا، وهو نموذج إنساني لا يستحق الثناء أو الإعانة. أحد مشاكل تراثنا (وتراث غيرنا) أنه أكرم النُسّاكَ ببذخ، بل فضلهم على المهَنيين، وترويج هذا الفكر رغّب مهنيينا للجمع بين نقيضين: المهني والناسك. ولأن التُراثِيّين يقودان مجتمعنا، تقلصت المهنية لأدنى ضروراتنا الحياتية، وتقلصت معها فترة الإنتاج في حياة الفرد، وهذا يفسر قلة إنتاج مجتمعات “النُسّاك الطاهرين” مقارنة بمجتمعات “المهنيين الخطّائين”.

شارك التدوينة !

عن علي آل عمران

2 تعليقان

  1. ابواحمد

    وجهة نظر جيدة ولكن اين حق السيد في الحرية الشخصية

  2. أما أنا فأشد على يد السيد وأنمنى من كل رجال الدين أن يحذوا حذوه حتى لا يلوثون (العامة) .

أضف رد على ابواحمد إلغاء الرد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني . الحقول المطلوبة مشار لها بـ *

*

© Copyright 2013, All Rights Reserved