مغالطات منطق أرسطو تبدأ بتعريفه، فهو لا “يعصم العقل من الخطأ في الفِكر”. إبتكره وثنيون، ووظفه اليهود والمسيحيون والمسلمون فوافق تناقضاتهم. إنه مومس نامت مع الجميع وشهدت للجميع.
أليس غريبا أن تجد كلُّ العقائد المتناقضة (الدينية والسياسية) في معرفة الإنسان أدلةً على صحتها وخطأ كل الآخرين؟ هل تحولت المعرفة إلى مرآةِ تخبر كل شخص أنه أجمل البشر؟ ما أهمية شهادةِ لا تفرض رأيا واحدا على الجميع كما يفعل مقياس الحرارة وجدول الضرب؟ المعرفة التي لا تصرخ برأيها على الجميع لا تصلح قائدا أو شاهدا.
الإستخدام الشعبي للمعرفة هو ترميم عقلنا القديم بأدلة متمدنة. العقل المفطور على العنصرية، مثلا، يجد في كل معرفة يكتسبها (من الشعوذة إلى الدين والعلم) عونا له، وكذلك العقل المفطور على الإستضعاف أو الإبداع أو العنف أو الكرم، فالمعرفة (في استخدامها الشائع) لا تغيّر قناعاتنا بل تؤدلِجُها، أي تحولها لقيم ننذر حياتنا وموتنا لها.
كره الآخرين يُزرع في عقولنا الطرية قبل أن ينضج جهازها المناعي، فكل فرقة ناجية تقنع أبنائها أنها الحق بإثبات أن كل الآخرين على خطأ، ثم تعزلهم عن الآخرين كإجراء وقائي إضافي. نكبر وتكثر معرفتنا، فنستخدمها للدفاع عن القيم التي زُرعت فينا في أشد لحظات ضعفنا (بل غيابنا)، عندما كنا أطفالا.
التاريخ هو جلدنا الملتهب الذي لا نستطيع لمسه حتى لعلاجه. لكنه لا يقل او يزيد شأنا عن مرمى نفايات سكان نيويورك، فهو خليط من التيجان والجثث وأناشيد الأطفال والصديد والتعاويذ وكل ما يطمع فيه لصوص الآثار وشحاذي المزابل. إليه يرجع الجميع (المنتصر والمهزوم والجائع والجشع والمجتهد والبليد ..) فيجدوا أسباب التأييد والرضى، فهو لا يعيد ذا حاجة خائبا. الكل يبحث عن قِطَع مرآته القديمة في ذلك الركام، والشظايا الصحيحة هي التي تصنع مرآة تُرينا وجهاً يشبهنا، فالتاريخ يحمل وجوها بعدد وجوهنا ورغبات هي كل رغباتنا.
الشرق الأوسط هو شريك مؤسِّس لتعددية الانسان، وصعدت تعدديته مع حضارته، وهي تنكمش بقسوة تَراجُعِ حضارته. لا يستطيع مجتمع حَضَريٌ منتجٌ إلا أن يكون تعدديا، فإذا أدرنا عجلة الإنتاج فسيعمل الناس في كل شيء، بلا حدود، وكثير من محفزات الإبداع الإنساني تدفع للمحمود والممنوع معا، فالإبداع والبدعة يولدان ويموتان سويا. الشرق الأوسط يحتاج صمود كل الأقليات لكبح جماح كل الأغلبيات، فوحشة الرأي هي وحشة الانسان.
أغلب التيارات الدينية المعاصرة تشتغل في السياسة لا العلم، فهي (كأغلب الساسة) تحتاج عدوا يغذي برنامج المواجهة الدائمة (أو الولاء والبراء). وهي (كأغلب الساسة أيضا) تستخدم قِيم عدوها للحكم على قِيمها (enemy-centric)، فرغم أنها بدأت كمدارس فكرية حرة إلا أنها تعلمت آليات البقاء السياسية بعد أن جعلت من آرائها هوية سياسية لا تتحمل المساومة، وصارت ترجّح حساب الارباح والخسائر على الرآي الحر. الكثير من الفقهاء اليوم هم أساسا سياسيون، فحركتهم تحكمها تفاصيل معركة مفترضة.
الطائفية على مذهب أرسطو من أجمل ما قرأت عن الطائفية تدل على إدراك عميق للكاتب
أتمنى أن تواصل الكتابة في هذا المجال
تحياتي